وفيها: صلب الحسين بن منصور الحلاج وهو حي أربعة أيام، يومين في الجانب الشرقي ويومين في الجانب الغربي، وذلك في ربيع الأول منها. فعمل بذلك في البلد، ثم بلغه أن أبا الحسين ابن سمعون الواعظ - وكان من الصالحين - لم يترك الوعظ بل استمر على عادته. وبإخميم عجائب كثيرة قديمة منها البرابي وغيرها والبراي أبنية عجيبة فيها تماثيل وصور واختلف في بانيها والأكثر الأشهر أنها بنيت في أيام الملكة دلوكة صاحبة حائط العجوز، وقد ذكرت ما بلغني من خبرها وكيفية بنانها والسبب فيه في البرابي من هذا الكتاب وهو بناء مسقف بسقف واحد وهو عظيم السعة مفرطها وفيه طاقات ومداخل وفي جدرانه صور كثيرة منها صور الآدميين وحيوان مختلف منه ما يعرف ومنه ما لا يعرف وفي تلك الصور صورة رجل لم ير أعظم منه ولا أبهى ولأ أنبل وفيها كتابات كثيرة لا يعلم أحد المراد بها ولأ يدري ما هي و الله أعلم بها. قاضي مصر ثم دمشق، وهو أول من حكم بمذهب الشافعي بالشام وأشاعه بها وقد كان أهل الشام على مذهب الأوزاعي من حين مات إلى هذه السنة. فلما حل عنه كفنه استوى جالسا، وفر النباش هاربا من الفزع، ونهض محمد بن يحيى هذا فأخذ كفنه معه، وخرج من القبر وقصد منزله فوجد أهله يبكون عليه، فدق عليهم الباب المنيوم للحمام فقالوا: من هذا؟

فقالوا: يا هذا لا يحل لك أن تزيدنا حزنا إلى حزننا. ذات اليمين غير ما أن ينكبا وقيل أوعال جمع وعل وهو كبش الجبل. جبل، وقيل أرك اسم مدينة سلمى أحد جبلي طيىء، وقيل جبل لغطفان ويوم ذي أرك من أيام العرب. هذا إجمال ما يقال في المذاهب في هذه البلاد أما القوميات أو الجنسيات أو العناصر المتألفة منها فإن نصف سويسرا روماني أو لاتيني والنصف الآخر جرماني وربما كان العراك بين هذين العنصرين على صورة لم يعرف بها في بلد آخر في أوربا منذ أوائل القرون الوسطى واختلط العنصر اللاتيني بالجرماني وعلى العكس اختلاطاً كبيراً ومن السويسريين الفرنسويين من تألمنوا أي أصبحوا ألماناً بلسانهم على طول الزمن ومن الألمانيين من تفرنسوا ويكاد لا يتجاوز اللاتينيون أي الفرنسيس والطليان والرومانش في سويسرا مليوناً ومائتي ألف وبقية الأربعة ملايين هم ألمان عاشوا حتى اليوم بحرية تامة في استعمال ألسنتهم بفضل استقلال المقاطعات وعدم المركزية وربما كان الألمان أكثر توسعاً في البلاد وهم الرابحون في التبسط في ربوعها على الزمن حتى أصبح اللسان الفرنساوي خاصاً بغرب البلاد والرومانشي بشرقها والإيطالي بجنوبها والألماني بشمالها ويقدرون عدد الألمان المهاجرين إلى المقاطعات الفرنساوية بمئة ألف وعدد الفرنسيس المهاجرين إلى المقاطعات الألمانية بخمسين ألفاً. أبو نصر البخاري، المعروف بالملاحمي، أحد الحفاظ قدم بغداد وحدث بها عن محمود بن إسحاق عن البخاري، وروى عن الهيثم بن كليب وغيره، وحدث عنه الدارقطني، وكان من أعيان أصحاب الحديث.

توفي لسبع بقين من رجب من هذه السنة. وتوفي أبوه في رجب منها، بينهما ثلاثة وسبعون يوما، ودفنا في موضع واحد. توفي ببغداد في ذي الحجة منها، ودفن بباب التين. توفي في ذي الحجة منها عن ثنتين وتسعين سنة رحمه الله تعالى. له مصنفات فيه، وقد سمع الحديث وروى عن المشايخ، وحدث عنه الثقات، وكان صدوقا، وله أشعار حسنة. وروى عنه تمام بن محمد وأبو عبد الرحمن السلمي. الشهيد الحافظ أبو الفضل الهروي، يعرف باب المنيوم للحمامن أبي سعد، قدم بغداد وحدّث بها عن محمد بن عبد الله الأنصاري. وحج بالناس أمير الحجيج المتقدم ذكره في السنين قبلها وهو الفضل بن عبد الملك الهاشمي العباسي أثابه الله وتقبل منه. وحج بالناس فيها الأمير المتقدم ذكره. أبو سعيد، سكن دمشق، روى عن إبراهيم بن سعد الجوهري، وأحمد بن منيع، وابن أبي شيبة وغيرهم، روى عنه أبو بكر النقاش وغيره، وكان محمد بن يحيى هذا يدعى بحامل كفنه، وذلك ما ذكره الخطيب قال: بلغني أنه توفي فغسل وكفن وصلي عليه ودفن، فلما كان الليل جاء نباش ليسرق كفنه ففتح عليه قبره. يسمى أحامر قرى وقرى ماء نزلته الناس قديما وكان لبني سعد من بني أبي بكر بن كلاب أحامرة: بريادة الهاء. قالوا: ودخل إلى دمشق فسأله أهلها أن يحدثهم بشيء من فضائل معاوية فقال: أما يكفي معاوية أن يذهب رأسا برأس حتى يروى له فضائل؟

قالوا: وكانت أصوله جيادا بخط أبيه، وسماعه صحيحا، وقد انتقى عنه أبو عمرو البصري. رحل إلى الآفاق وتفقه على أبي ثور، وكان يفتي بمذهبه، وأخذ الأدب عن أصحاب النضر بن شميل، وكانت إليه الرحلة بخراسان. قال الخطيب: كانت له عناية بالقراءات وصنف أسانيدها، ثم ذكر أنه كان يخلط ولم يكن مأمونا على ما يرويه، وأنه وضع كتابا في الحروف ونسبه إلى أبي حنيفة، فكتب الدارقطني وجماعة أن هذا الكتاب موضوع لا أصل له، فافتضح وخرج من بغداد إلى الجبل فاشتهر أمره هناك، وحبطت منزلته، وكان يسمي نفسه أولا جميلا، ثم غيره إلى محمد. وفيها: سعر نوافذ الالمنيوم ختن المقتدر خمسة من أولاده، فغرم على ختانهم ستمائة ألف دينار، وقد ختن قبلهم ومعهم خلقا من اليتامى، وأحسن إليهم بالمال والكساوي، وهذا صنيع حسن إن شاء الله. فما زال كلما مر على مكان أدهشه وأخذ ببصره حتى انتهى إلى المكان الذي فيه الخليفة المقتدر بالله، وهو جالس على سرير من آبنوس، قد فرش بالديبقى المطرز بالذهب، وعن يمين السرير سبعة عشر عنقود معلقة، وعن يساره مثلها وهي جوهر من أفخر الجواهر، كل جوهرة يعلو ضوؤها على ضوء النهار، ليس لواحدة منها قيمة ولا يستطاع ثمنها، فأوقف الرسول والذين معه بين يدي الخليفة على نحو من مائة ذراع، والوزير علي بن محمد بن الفرات واقف بين يدي الخليفة، والترجمان دون الوزير، والوزير يخاطب الترجمان والترجمان يخاطبهما، فلما فرغ منها خلع عليهما وأطلق لهما خمسين سقرقا في كل سقرق خمسة آلاف درهم، وأخرجا من بين يديه وطيف بهما في بقية دار الخلافة، وعلى حافات دجلة الفيلة والزرافات والسباع والفهود وغير ذلك، ودجلة داخلة في دار الخلافة، وهذا من أغرب ما وقع من الحوادث في هذه السنة.